فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن جريج: المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم.
وقيل: المعنى لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم إلا لمن تبع دينكم لئلا يكون طريقًا إلى عبَدَة الأوثان إلى تصديقه.
وقال الفرّاء: يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله عز وجل: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله}.
أي إن البيان الحق هو بيان الله عز وجل: {أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} بيّن ألا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ولا مقدرة بعد أن أي لئلا يؤتى؛ كقوله: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] أي لئلا تضلوا، فلذلك صلح دخول أحد في الكلام.
وأو بمعنى حتى وإلا أن؛ كما قال امرؤ القيس:
فقلتُ له لا تَبْكِ عَيْنُك إنّما ** نحاول مُلكًا أو نموتَ فنُعذَرا

وقال آخر:
وكنتُ إذا غَمَزْتُ قَنَاةَ قوم ** كسرتُ كُعُوبَها أو تستقيما

ومثله قولهم: لا نلتقي أو تقوم الساعة، بمعنى حتى أو إلى أن؛ وكذلك مذهب الكِسائيّ.
وهي عند الأخفش عاطفة على {وَلاَ تُؤْمِنُوا} وقد تقدّم.
أي لا إيمان لهم ولا حجة؛ فعطف على المعنى.
ويحتمل أن تكون الآية كلها خطابًا للمؤمنين من الله تعالى على جهة التثبيت لقلوبهم والتشحيذ لبصائرهم؛ لئلا يشكّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم.
والمعنى لا تصدّقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم، ولا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الفضل والدِّين، ولا تصدّقوا أن يحاجّكم في دينكم عند ربّكم مَن خالفكم أو يقدر على ذلك، فإن الهُدَى هدى الله وإن الفضل بيد الله.
قال الضحاك: إن اليهود قالوا إنا نحاجّ عند ربنا مَن خالفنا في ديننا؛ فبيّن الله تعالى أنهم هم المُدْحَضُون المعذَّبون وأن المؤمنين هم الغالبون.
ومحاجّتهم خصومتهم يوم القيامة.
ففي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى يحاجُّونا عند ربّنا فيقولون أعطيتنا أجْرًا واحدًا وأعطيتهم أجرين فيقول هل ظلمتكم من حقوقكم شيئًا قالوا لا قال فإن ذلك فضلي أوتيه من أشاء». قال علماؤنا: فلو علموا أن ذلك من فضل الله لم يحاجونا عند ربنا؛ فأعلم الله نبِيّه صلى الله عليه وسلم أنهم يحاجونكم يوم القيامة عند ربكم، ثم قال: قل لهم الآن {إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} من كلام الطائفة من أهل الكتاب قصدوا به الاحتراس ألا يظنوا من قولهم آمِنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجهَ النهار أنه إيمان حَقُّ، فالمعنى ولا تؤمنوا إيمانًا حقًا إلاّ لمن تَبع دينكم، فأما محمد فلا تؤمنوا به لأنه لم يتبِع دينكم فهذا تعليل للنهي.
وهذا اعتذار عن إلزامهم بأنّ كتبهم بشرت بمجيء رسول مقفّ فتوهموا أنه لا يجيء إلاّ بشريعة التوراة، وضلوا عن عدم الفائدة في مَجيئه بما في التوراة لأنه من تحصيل الحاصل، فينزّه فعلُ الله عنه، فالرسول الذي يجيء بعد موسى لا يكون إلاّ ناسخًا لبعض شريعة التوراة فجمعُهم بين مقالة: {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا} وبين مقالة: {ولا تؤمنوا} مثل {وما رميت إذ رميت} [الأنفال: 17].
وقوله: {قل إن الهدى هدى الله} كلام معترض، أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوله لهم.
كنايةً عن استبعاد حصول اهتدائهم، وأنّ الله لم يهدهم، لأنّ هدى غيره أي محاولته هدى الناس لا يحصل منه المطلوب، إذا لم يقدّره الله.
فالقصر حقيقي: لأنّ ما لم يقدّره الله فهو صورة الهدى وليس بهُدى وهو مقابل قولهم: آمنوا بالذي أنزل ولا تؤمنوا إلاَّ لمن تبع دينكم، إذْ أرادوا صورة الإيمان، وما هو بإيمان، وفي هذا الجواب إظهار الاستغناء عن متابعتهم.
{أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ}.
أشكل موقعُ هذه الآية بعد سابقتها وصفَ نظمها، ومصرَف معناها: إلى أي فريق.
وقال القرطبي: إنها أشكَلُ آية في هذه السورة.
وذكر ابن عطية وجوها ثمانية.
ترجع إلى احتمالين أصليين.
الاحتمال الأول أنها تكملة لمحاورة الطائفةِ من أهل الكتاب بعضهم بعضًا، وأن جملة {قل إن الهدى هدى الله} معترضة في أثناء ذلك الحِوار، وعلى هذا الاحتمال تأتي وجوه نقتصر منها على وجهين واضحين:
أحدهما: أنهم أرادوا تعليل قولهم: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} على أن سياق الكلام يقتضي إرادتهم استحالة نسخ شريعة التوراة، واستحالة بعثة رسول بعد موسى، وأنه يُقدّر لام تعليل محذوف قبل أنْ المصدرية وهو حذف شائع مثلُه.
ثم إما أن يقدر حرف نفي بعد أنْ يدل عليه هذا السياق ويَقتضيه لفظ {أحد} المرادِ منه شمول كلّ أحد: لأنّ ذلك اللفظَ لا يستعمل مرادًا منه الشمول إلاّ في سياق النفي، ومَا في معنيّ النفي مثللِ استفهام الإنكار، فأما إذا استعمل {أحَد} في الكلام الموجَب فإنه يكون بمعنى الوصف بالوحْدة، وليس ذلك بمناسب في هذه الآية.
فتقدير الكلام لأن لا يوتى أحد مثل ما أوتيتم وحذفُ حرف النفي بعد لام التعليل، ظاهرةً ومقدّرةً، كثيرٌ في الكلام، ومنه قوله تعالى: {يُبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176]، أي لئلاّ تضلوا.
والمعنى: أنّ قصدهم من هذا الكلام تثبيتُ أنفسهم على ملازمة دين اليهودية، لأن اليهود لا يجوِّزون نسخَ أحكام الله، ويتوهمون أنّ النسخ يقتضي البَدَاء.
الوجه الثاني: أنهم أرادوا إنكار أن يوتَى أحد النبوءة كما أوتيها أنبياءُ بني إسرائيل فيكون الكلام استفهامًا إنكاريًا حذفت منه أداة الاستفهام لدلالة السياق؛ ويؤيده قراءةُ ابن كثير قوله: {أن يؤتى أحد} بهمزتين.
وأما قوله: {أو يحَاجوكم عندَ ربكم} فحَرْف {أو} فيه للتقسيم مثل {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا} [الإنسان: 24] {أو} معطوف على النفي، أو على الاستفهام الإنكاري: على اختلاف التقديرين، والمعنى: ولا يحاجوكم عند ربكم أو وكيف يحاجونكم عند ربكم، أي لا حجة لهم عليكم عند الله.
وواو الجمع في {يحاجوكم} ضمير عائد إلى {أحد} لدلالته على العموم في سياق النفي أو الإنكار.
وفائدة الاعتراض في أثناء كلامهم المبادرة بما يفيد ضلالهم لأنّ الله حرمهم التوفيق.
الاحتمال الثاني أن تكون الجملة مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم بقيةً لقوله: {إنّ الهُدى هُدى الله}.
والكلام على هذا ردّ على قولهم: {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار} وقولهم: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} على طريقة اللفّ والنشر المعكوس، فقوله: {أن يأتى أحد مثل ما أوتيتم} إبطال لقولهم: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} أي قلتم ذلك حسَدًا من أنْ يؤتي أحدٌ مثلَ ما أوتيتم وقوله: {أو يحاجوكم} ردّ لقولهم: {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} على طريقة التهكم، أي مرادكم التنصّل من أن يحاجوكم أي الذين آمنوا عند الله يوم القيامة، فجمعتم بين الإيمان بما آمن به المسلمون، حتى إذا كان لهم الفوز يوم القيامة لا يحاجونكم عند الله بأنكم كافرون، وإذا كان الفوز لكم كنتم قد أخذتم بالحَزم إذ لم تبطلوا دين اليهودية، وعلى هذا فواو الجماعة في قوله: {أو يحاجوكم} عائد إلى الذين آمنوا.
وهذا الاحتمال أنسب نظمًا بقوله تعالى: {قل إن الفضل بيد الله}، ليكون لِكلّ كلام حُكي عنهم تلقينُ جوابٍ عنه: فجواب قولهم: {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا} الآية، قوله: {قل إن الهدى هدى الله}.
وجواب قولهم: {ولا تؤمنوا} إلخ قوله: {قل إنّ الفضل بيد الله} إلخ.
فهذا مِلاك الوجوه، ولا نطيل باستيعابها إذْ ليس من غرضنا في هذا التفسير.
وكلمة {أحد} اسم نكرة غلب استعمالها في سياق النفي ومعناها شخص أو إنسان وهو معدود من الأسماء التي لا تقع إلاّ في حيّز النفي فيفيد العموم مثل عَرِيب ودَيَّار ونحوهما وندر وقوعه في حيّز الإيجاب، وهمزته مبدلة من الواو وأصلَه وَحَد بمعنى واحد ويرد وصفًا بمعنى واحد.
وقرأ الجمهور {أن يُؤتَى أحد} بهمزة واحدة هي جزء من حرف أنْ.
وقرأه ابن كثير بهمزتين مفتوحتين أولاهما همزة استفهام والثانية جزء من حرف أنْ وسهل الهمزة الثانية.
{قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ والله واسع عَلِيمٌ} {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ والله ذُو الفضل العظيم}.
زيادة تذكير لهم وإبطال لإحالتهم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا من الله، وتذكير لهم على طرح الحسد على نعم الله تعالى أي كما أعطى الله الرسالة موسى كذلك أعطاها محمدًا، وهذا كقوله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} [النساء: 54].
وتأكيد الكلام بـ (إنّ) لتنزيلهم منزلة من ينكر أنّ الفضل بيد الله ومن يحسب أنّ الفضل تبع لشهواتهم وجملة {والله واسع عليم} عطف على جملة أنّ الفضل بيد الله إلخ أي أنّ الفضل بيد الله وهو لاَ يخفى عليه من هو أهل لنوال فضله.
و{واسع} اسم فاعل الموصوف بالسعة.
وحقيقة السعة امتداد فضاء الحَيِّز من مكاننٍ أو ظرففٍ امتدادًا يكفي لإيواء ما يحويه ذلك الحيز بدون تزاحم ولا تداخل بين أجزاء المحويّ، يقال أرض واسعة وإناء واسع وثوب واسع، ويطلق الاتساع وما يشتقّ منه على وفاء شيء بالعمل الذي يعملَه نوعُه دون مشقة يقال: فلان واسع البال، وواسع الصدر، وواسع العطاء.
وواسعِ الخُلُق، فتدلّ على شدّةِ أو كثرةِ ما يسند إليه أو يوصف به أو يعلق به من أشياء ومعاننٍ، وشاع ذلك حتى صار معنى ثانيًا.
و{وَاسع} من صفات الله وأسمائِه الحسنى وهو بالمعنى المجازي لا محالة لاستحالة المعنى الحقيقي في شأنه تعالى، ومعنى هذا الاسم عدمُ تناهي التعلقات لصفاته ذاتتِ التعلق فهو واسع العلم، واسع الرحمة، واسع العطاء، فسعة صفاته تعالى أنها لا حدّ لتعلقاتها، فهو أحقّ الموجودات بوصف واسع، لأنه الواسع المطلق.
وإسناد وصف واسع إلى اسمه تعالى إسناد مجازي أيضا لأنّ الواسع صفاتُه ولذلك يُؤتَى بعد هذا الوصف أو ما في معناه من فعل السعة بما يميز جهة السعة من تمييز نحو: وَسِع كل شيء علمًا، ربنا وسعت كلّ شيء رحمةً وعلمًا.
فوصفه في هذه الآية بأنه واسع هو سعة الفضل لأنه وقع تذييلًا لقوله: {ذلكَ فضل الله يؤتيه من يشاء}.
وأحسب أنّ وصف الله بصفة واسع في العربية من مبتكرات القرآن.
وقوله: {عليم} صفة ثانية بقوة علمه أي كثرة متعلّقات صفة علمه تعالى.
ووصفه بأنه عليم هنا لإفادة أنه عليم بمن يستأهل أن يؤتيه فضلَه ويدل على علمه بذلك ما يظهر من آثار إرادته وقدرته الجارية على وفق علمه متى ظهر للناس ما أودعه الله من فضائل في بعض خلقه، قال تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124]. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى الله} متصل بالكلام الأوّل إخبارًا عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعنى الآية: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أُؤتيتم من العلم والحكمة والحجّة في المنّ والسلوى، وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات. ولا تؤمنوا أن يُحاجّوكم عند ربّكم لأنّكم أصحّ دينًا منه، وهذا معنى قول مجاهد والأخفش.
وقال ابن جريج وابن زيّات: قالت اليهود لسفلتهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وأيّ فضل يكون لكم عليهم حيث علموا ما علمتم وحينئذ {يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ}: يقولون عرفتم أنّ ديننا حقّ فلا تصدّقوهم لئلاّ يعلموا مثل ما عُلّمتم ولا يُحاجّوكم عند ربكم، ويجوز أن يكون على هذا القول لا مضمرًا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} يكون تقديره ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم لئلاّ يؤتى أحد من العلم مثل ما أوتيتم وألا يحاجّوكم عند ربكم.
وقرأ الحسن والأعمش: إن يؤتى بكسر الألف ووجه هذه القراءة إنّ هذا كلّه من قول الله بلا اعتراض وأن يكون كلام اليهود تامًا عند قوله: {إِلا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} ومعنى الآية: قل يا محمد إنّ الهدى هدى الله أن يؤتى ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أُمّة محمد أو يحاجّوكم، يعني إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم وقوله: {عِندَ رَبِّكُمْ} أي عند فضل ربّكم لكم ذلك ويكون (أنّ) على هذا القول بمعنى الجحد والنفي.
وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن وأبي مالك ومقاتل والكلبي. وقال الفرّاء: ويجوز أن يكون (أو) بمعنى حتّى كما يقال: تعلّق به أو يعطيك حقّك أي حتى يعطيك حقّك.
وقال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنّما ** نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا

أي حتى نموت.
والمعنى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ما أعطى أحدًا مثل ما أُعطيتم يا أُمة محمد من الدّين والحجّة حتّى يحاجّوكم عند ربّكم.
وقرأ ابن كثير: أن يؤتى بالمدّ وحينئذ يكون في الكلام اختيار تقديرها: أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونهم ولا تؤمنون بهم وهذا قول قتادة والربيع.
وإلاّ هذا من قول الله عز وجّل: قل لهم يا محمد إنّ الهدى هدى الله لما أنزل كتابًا مثل كتابكم وبعث نبيًّا مثل نبيّكم حسدتموه وكفرتم به.
{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله} الآية.
قال أبو حاتم: إنّ معناه الآن فحذف لام الجزاء استخفافًا وأُبدلت مدّه كقراءة من قرأ: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ} أي الآن كان.
وقوله: {أو يحاجّوكم} على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ويكون أو بمعنى أن لانّهما حرفا شك وجزاء ويوضع أحدهما موضع الآخر وتقدير الآية: وإن يحاجّوكم يا معشر المؤمنين عند ربّكم فقل يا محمد: إنّ الهدى هدى الله ونحن عليه.
ويحتمل أن يكون الجميع خطابًا للمؤمنين ويكون نظم الآية: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين (فلا تشكّو عند تلبيس اليهود) فقل إنّ الفضل بيد الله.
وإن حاجّوكم فقل إنّ الهدى هدى الله.
فهذه وجوه الآيات باختلاف القرآن. ويحتمل أن يكون تمام الخبر عن اليهود عند قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فيكون قوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} إلى آخر الآية من كلام الله عزّ وجّل. وذلك إنّ الله تعالى مثبّتٌ لقلوب المؤمنين ومشحذٌ لبصائرهم لئلاّ يشكّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم أي: ولا تصدّقوا يا معشر المؤمنين إلا لمن تبع دينكم ولا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدّقوا أن يحاجّوكم في دينكم عند ربّكم فيقدرون على ذلك فإنّ الهدى هدى الله وأنّ الفضل بيد الله.
{يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}: فتكون الآية كلّها خطاب الله عز وجّل للمؤمنين عند تلبيس اليهود عليهم لئلاّ يزلّوا ولا يرتابوا والله أعلم. يدل عليه قول الضحّاك قال: إنّ اليهود قالوا: إنّا نحاجّ عند ربنا من خالفنا في ديننا فبيّن الله تعالى أنّهم هم المدحضون أي المغلوبون، وإنّ المؤمنين هم الغالبون. اهـ.